منطلقات الدعوة
قد ينشط المسلم في دعوة الناس إلى الإسلام ، وينهض إلى التعريف بمبادئه وأحكامه ، ولكنه ما يكاد يسير في نشاطه أياما أو حينا من الزمن حتى تجد أن سعيه قد انقلب إلى دفاع عن شخصيته ، وخصومة مع منافسيه !!
وليس لذلك من سبب سوى أن هؤلاء الإخوة لم يضبطوا أنفسهم بالمنطلقات التي تنبثق أعمال الدعوة الإسلامية ـ في واقعها الحقيقي ـ منها ، ثم تظل سائرة على سننها منضبطة بتوجيهها . فما هي هذه المنطلقات ؟ سأحاول تلخيصها في النقاط التالية :
المنطلق الأول :
ويتمثل في معرفة أن أعمال الدعوة الإسلامية ليست في حقيقتها إلا عبادة يؤدي بها المسلم حق الله تعالى في عنقه ، ويتقرّب بها الى مرضاته ... مصداقا لقوله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )وإذا نهض المسلم بأعباء الدعوة من هذا المنطلق ، واستقام على نهجها تحقق له من ذلك ضمانتان اثنتان :
الضمانة الأولى :أن شيئا من الرعونات النفسية أو الحظوظ الشخصية لن تهيج بين جوانحه ، وإن أحسّ بها تحركت لتهتاج ، قاومها بشعور أنه ماثل في محراب العبودية لله عز وجل .
الضمانة الثانية: فهي أن الحقيقة الإسلامية التي يدعو إليها هذا المسلم الذي التزم بمنطلق العبادة لله عز وجل في دعوته ، لن تتحوّل شيئا فشيئا في ذهنه إلى مجرد فكرة أو مذهب سطحي يقارع به المذاهب الأخرى .
المنطلق الثاني : ويتمثل في ضرورة ألا تنبعث أعمال الدعوة الإسلامية إلا من شعور غامر بالشفقة والرحمة لعباد الله جميعا , فعلى من جنّد نفسه داعيا إلى الله عز وجل ، أن يجعل من قلبه وعاء يفيض بالرحمة لعباد الله كلهم على اختلاف نحلهم ومللهم ومشاربهم واتجاهاتهم . ولا يتحقق ذلك إلا بان يضحي بحظوظه النفسية ومصالحه الدنيوية في سبيل تحقيق الخير لهم جميعا .
المنطلق الثالث : ويتمثّل في اليقين بأن القيام بأعباء الدعوة إلى الإسلام ، ليس إلا أداء لواجب يدخل في جملة التكليفات الإسلامية التي خاطب الله بها المسلمين , فليس من شأن الداعي إلى الله تعالى أن يخلق الهداية في قلوب الناس ، وليس إليه تبديل حال اجتماعية بأخرى ، وليست إليه عهدة إيجاد شيء من النتائج والآمال المرتقبة ، من وراء القيام بأعباء الدعوة ومقتضاياتها ، بل تنتهي وظيفته التي كلفه الله عز وجل بها عند حدود تلك النهايات التي تقف عندها قدراته التي منحه الله إياها من بيان باللسان ، وحكمة في معالجة الأمور ، وتقديم للمال إذا احتاج الأمر وتضحية بالروح والدم إذا وصلت ضرورات الدعوة إلى ذلك .
الآثار التي تتحقق بالتزام هذه المنطلقات:
إذا التزم المسلم بهذه المنطلقات الثلاثة للسير في طريق الدعوة الإسلامية ، أصغت له الآذان , واستجابت له القلوب ، وكان عمله كمن يحرث في تربة صالحة لينة .
ذلك لأن الذي يلتزم بهذه المنطلقات ، لن يغضب لنفسه ولن ينتصر لشخصه إذا ناله ضرّ ممن يعرفه بالإسلام ، بل ستحمله الرحمة به والشفقة عليه على الصفح عنه وخفض الجانب له ... لأنه لن يجد التعالي إلى نفسه من سبيل ، فمن أين له أن يعلم الخاتمة التي سيختم الله بها ؟ ومن أين له أن يعلم بأنه أفضل حالا في ميزان الله عز وجل من هذا الذي يقبل إليه بالنصيحة والإرشاد ؟
............................................................................
إعداد: أسرة الموقع نقلاً من كتاب (هكذا فلندع إلى الإسلام ) د. محمد سعيد رمضان البوطي